أهل البدع يذكرون الذي لهم ولا يذكرون الذي عليهم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقبل أشهر من كتابة هذا المقال ونحن اليوم في شوال 1429هـ وقع في يدي صورة كتاب صغير لا تبلغ صفحاته 70 صفحة بعنوان "الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية" طبع في تركيا- إستانبول عام 1395هـ- 1975م، وكُتب عليه تأليف العالم العلامة الحبر البحر الفهامة الشيخ سليمان بن عبد الوهاب النجدي!! سألت الأخ الذي جاءني به: أين عثرت على هذه الرسالة؟ فقال: أعطاني إياها فلان بن فلان. فسمى لي شخصا ابناً لرجل مشهور ببغضه لأهل السنة والتوحيد عامة، ولعلمائهم خاصة.
لم استغرب توزيع لهذا الكتاب الذي فيه الطعن والتشكيك بالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، والطعن أيضا بدعوته دعوة التوحيد والاتباع للسنة، لكن تذكرت وصف العلماء لأهل الأهواء والبدع بأنهم يذكرون الذي لهم ولا يذكرون الذي عليهم، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم ص 13 عن عبد الرحمن بن مهدي وغيره قال: أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم!!
ملاحظات على الغلاف
أخي القارئ الكريم تأملت غلاف تلك الرسالة فوجدت غرائب وعجائب منها:
عنوانها "الصواعق الإلهية" وكأن محتواها قرآن منزل من عند الله تعالى بينما المحتوى ما هو إلا طعونات وشبهات فرح بها بعض الناس، ثم قوله "في الرد على الوهابية" كذب صريح لأن مصطلح الوهابية حادث لم يكن يسمى به الشيخ محمد بن عبد الوهاب فكيف يطلق الشيخ سليمان بن عبد الوهاب لقب "الوهابية" على شقيقه؟! (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا(.
ذلك اللقب الكبير للشيخ سليمان لتفخيمه وتعظيمه حتى يغتر به الجاهل فانظر ماذا قالوا؟ (العالم) (العلامة) (الحبر) (البحر) (الفهامة) (الشيخ) سليمان بن عبد الوهاب (النجدي)، فبالله عليك أخي القارئ هل ينطوي هذا الأسلوب إلا على جاهل لا يعرف من العلم إلا رسمه ولا من التوحيد إلا اسمه؟!
طباعته قديمة قبل أكثر من 30 عاماً ولم تُعرف له شهرة ولا رواج ولا قبول بينما موضوعه الرد على شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب الذي طبعت كتبه آلاف المرات ونشر منها ملايين النسخ، فهذا الرد لا يمكن أن يكون لائقا على صغر حجمه في دفع هذا الكم الهائل من آثار الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
هذا عنوان لكتاب تجاوزت صفحاته 500 صفحة وقع في مجلد كبير من تأليف الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن علي العبداللطيف عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وقد ذكر في نهاية الكتاب أسماء المراجع وبلغت 180 مرجعاً ما بين مخطوط ومطبوع ورسائل وبحوث يعجز عن حملها "بعير" كلها في سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وآثاره وطلابه وأتباعه والذب عنه ورد الشبهات وغير ذلك، فما نسبة تلك الرسالة التي لا تبلغ صفحاتها (70) صفحة إلى ذلك الكم الهائل الذي يتعلق بالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ودعوته وعلمه وآثاره؟!
مَنْ الشيخ سليمان بن عبد الوهاب؟
الشيخ سليمان المنسوب له تلك الرسالة هو شقيق الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وقد اشتهر عنه أنه خالف الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بداية دعوته ثم تراجع عن ذلك ولم يكن في العلم والفهم والتحصيل كالشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا قريبا منه.
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمهم الله جميعا: "ثم لو فُرِضَتْ صحته فمن الشيخ سليمان؟ وما سليمان؟ هذه دلائل السنة والقرآن تدفع في صدره وتدرأ في نحره، وقد اشتهر ضلاله ومخالفته لأخيه مع جهله وعدم إدراكه لشيء من فنون العلم، وقد رأيت له رسالة يعترض فيها على الشيخ وتأملتها فإذا هي رسالة جاهل بالعلم والصناعة مزجى التحصيل والبضاعة لا يدري ما طحاها؟ ولا يحسن الاستدلال من فطرها وسواها" أ. هـ [مصباح الظلام- ص 117].
رجع أو لم يرجع
أعلم أخي القارئ بارك الله فيك أن العلماء اختلفوا هل رجع الشيخ سليمان عن ضلالاته وانضم إلى دعوة التوحيد والسنة أو بقي مصراً على ذلك الضلال والعداء؟ فقيل رجع وقيل لم يرجع، ومهما يكن من شيء فما الذي يضر الشيخ من مخالفة شقيقه له؟ ومتى كانت مخالفة الأقرباء طعنا بصاحب الحق؟ فالأنبياء والمرسلون ومن بعدهم كان من آبائهم وأبنائهم وإخوانهم وأزواجهم وعشيرتهم من يخالفهم ويخاصمهم الخصومة الشديدة والعداوة الظاهرة، فما وجه الغرابة أن يكون للشيخ محمد بن عبد الوهاب شقيق يخالفه ويرد عليه؟!
(أتواصوا به بل هم قوم طاغون)
وبعد أشهر من وقوفي على تلك الرسالة المنسوبة إلى الشيخ سليمان يبدو والله أعلم وصلت نسخة من ذلك المبتدع إلى أحدهم فأخذ يقص منها قصاصات وينشرها في الصحف والمجلات ليس له هوية في الكتابة سوى تقسيم الرسالة إلى مقالات ولكن (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)، (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله)، كان فعله هذا دافعا كبيرا وفرصة ذهبية جعلت كثيرا من طلبة العلم والقراء يرجعون إلى كتب الشيخ وبيان حال تلك الرسالة فحصل في ذلك نفع واستفادة وبصيرة وزيادة.
فالحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.